الأمريكي “عزرا باوند”.. شاعر “الجيل الضائع” الذي مات في البندقية

الامريكي "عزرا باوند".. شاعر "الجيل الضائع" الذي مات في البندقية

أخبار القارة الأوروبية – بورتريه

يعد عزرا باوند من أهم الشعراء الأمريكيين في القرن العشرين، ورغم السمعة السيئة التي لحقت به بسبب انحيازه إلى موسوليني في أثناء الحرب العالمية الثانية، فإن شاعريته لم تتأثر بذلك كثيرًا، وقد مارس تأثيرًا كبيرًا على شعراء وكتاب آخرين، منهم جيمس جويس وت. س. إليوت وإرنست همنغواي.

نشأته

ولد عزرا باوند في الولايات المتحدة عام 1885، ومات في البندقية بإيطاليا عام 1972. وكان شاعرًا وموسيقيًا وناقدًا أدبيًا من الطراز الرفيع.

انضم عزرا باوند إلى الحركة الحداثية للشعر الأميركي في العشرينيات من القرن الماضي، أي في بدايات حياته الأدبية.

صنف النقاد عزرا باوند في خانة الجيل الضائع، الذي ضم أرنست هيمنجواي وت س إليوت وف سكوت فيتزجيرالد وغيرهم.

درس عزرا باوند  الأدب المقارن في جامعة بنسلفانيا في نيويورك (1900 – 1905)، ثم غادر إلى أوروبا عام 1908 وعمره لا يتجاوز الثالثة والعشرين، لعجزه عن التأقلم مع المجتمع الأميركي، فقد كان شخصًا غير اجتماعي غريب الأطوار.

عاش في البندقية فترة قصيرة، ثم انتقل إلى لندن عاصمة الآداب الإنجليزية ومقصد شعراء أميركا وأدبائها في ذلك الزمان.

الحركة التصويرية

في لندن، التقى عزرا باوند كبار الكتاب الإنجليز، مثل: جيمس جويس، فورد مادوكس فورد، ويندهام لويس. وكان لا يزال ينتمي آنذاك إلى الحركة التصويرية، وهي حركة أدبية انخرطت في التجريب الشعري من طريق استخدام لغة غنائية.

كانت الحركة التصويرية متأثرة بآداب الشرق الأقصى والشعر الياباني خصوصًا. وكانت الجماعة التي تنتمي إلى هذه الحركة تنشر أعمالها في مجلة تدعى «الأناني».

بعد أن التقى عزرا باوند النحات هنري غودييه برزيسكا، تشكلت الحركة «الدوامية» في الشعر الإنجليزي، وهي حركة تجريبية أيضًا وقريبة من التيار المستقبلي في الشعر، وتركز عمومًا على الكثافة الشعرية إلى أقصى حد ممكن.

التقى عزرا باوند أثناء الحرب العالمية الأولى بالشاعر الكبير ويليام بتلر ييتس في آيرلندا، وأصبح سكرتيرًا له.

حياته

في عام 1914 تزوج عزرا باوند بالفنانة دورثي شكسبير. وبعدئذ تعلم اللغة اليابانية وراح يهتم بالشعر الغنائي السائد في الشرق الأقصى.

في عام 1915 ابتدأ بكتابة رائعته الأدبية «كانتوس»، أي أناشيد. وقد اشتغل عليها طيلة حياته كلها.

في عام 1920 وصل عزرا باوند إلى باريس وانضم إلى جماعة الأدباء والفنانين الباريسيين، الذين أسسوا الحركة الدادائية، ثم السريالية.

استقبل عزرا باوند في شقته الباريسية البسيطة أهم الكتاب الفرنسيين من أمثال جان كوكتو، وأندريه بريتون. وقد شاءت الصدفة أن يكون همنغواي في باريس ليزوره أيضًا.

بفضل عزرا باوند، اكتشف همنغواي أعمال الكتاب الجدد، مثل: ت. س. إليوت وجيمس جويس، إضافةً إلى الكلاسيكيين الكبار، مثل: فلوبير، وستندال، وهنري جيمس. في حين أعطى هيمنجواي دروسا في المصارعة لباوند، بهدف تقوية عضلاته!

اعتقد عزرا باوند أن الأموال الضخمة التي تجمعها الكنائس المسيحية ينبغي أن توزع على الفنانين والشعراء والفلاسفة والعلماء الذين يكتشفون قوانين العالم ويقدمون خدمات للبشرية.

سجنه

ارتكب عزرا باوند غلطة عمره، حين أيد الدولة الفاشية التي أسسها موسوليني في إيطاليا، ودفع ثمن هذه الخطيئة باهظًا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. فقد حوكم عام 1945، وسُجن في مستشفى المجانين مدة عشر سنوات أو أكثر.

رغم هذه السقطة الأخلاقية الكبرى، فإن بعض النقاد يعدونه من أهم شعراء الغرب في القرن العشرين، إن لم يكن أهمهم. كثيرون يضعونه من حيث المرتبة الشعرية فوق ت. س. إليوت، فقليلون هم شعراء الحداثة الذين امتلكوا طاقته الشعرية الخلاقة، فمن شعره تفوح رائحة الحرية كأقوى ما يكون.

اقرأ أيضا: فيديريكو غارسيا لوركا شاعر إسبانيا وصوت الفقراء

ترجم عزرا باوند أشعارًا كثيرة من مختلف أنحاء العالم، وكان يبحث من خلال ذلك عن لغة شعرية كونية.

تعلم عدة لغات، وكان يعتقد أن شعر اليابان والصين والهند أقرب إلى البراءة والطبيعة، فقد كان يبحث عما هو بدائي وعفوي وصادق في شعر الأمم التي لم تفسدها الحداثة الصناعية.

 كتب في شبابه الأول يقول: «سأكتب أعظم القصائد التي أتيح لمخلوق على وجه الأرض أن يكتبها». وكان يقول: «الكتاب الجيدون هم أولئك الذين يستخدمون لغة فعالة، أي واضحة ودقيقة».

كان عزرا باوند من أوائل من استخدموا الشعر الحر وخرجوا على الأوزان والقوافي. وقد لعب دورًا عظيمًا في اندلاع الثورة الشعرية الحديثة التي أثرت على الأدب الإنجليزي كله في القرن العشرين.

كان تمرده الشعري موازيًا لتمرده النفسي والشخصي، فقد اشتهر باحتقاره للعادات والتقاليد السائدة في المجتمع وميله إلى الاستفزاز والخروج على المألوف. وهذا ما حبب السرياليين فيه.

عن تجربته الفاشية، يقول عزرا باوند إنه كان مخطئًا بنسبة تسعين بالمئة، مضيفًا: «فقدت صوابي في الإعصار». ويلخص تجربة حياته بجملة قصيرة: «فشل يساوي كل نجاحات العصر».

Exit mobile version