أوروبا بين المطرقة والسندان

بقلم: الدكتور نزار محمود

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، على وجه التحديد، تتخادم الولايات المتحدة الامريكية مع دول أوروبا الغربية، ومنذ سقوط المنظومة الشيوعية مع العدد الأكبر من دول أوروبا الشرقية كذلك، فالولايات المتحدة الامريكية قائدة حلف شمال الأطلسي “الناتو” والعملاقة اقتصادياً والمتحكمة ببوصلة السياسة الدولية وصاحبة خزين الطاقة وحاضنة المؤسسات الدولية وذات العلاقات الخارجية المهيمنة، كانت قد اتخذت من اوروبا ودولها بكل ثقلها الاقتصادي والعلمي والسياسي  أحد أهم عناصر معادلة قوتها ضد منافسيها الكبار من الصينيين والروس وغيرهم.

وكان من نتائج ذلك أن أصبحت عملة الولايات المتحدة الامريكية، الدولار الامريكي، أكثر العملات قوة وجاذبية لإجراء الدفوعات والتسويات وعقد العقود وبناء الاحتياطيات المالية والنقدية، وهو ما أكسب الولايات المتحدة بحد ذاته، قوة اقتصادية وسياسية تنافسية، أن من لا يعرف معنى العملة الورقية أو أرقامها الالكترونية في حسابات البنوك والخزائن، يصعب عليه تصور أن اقيامها هي ليست أكثر من سلف لحامليها بذمة البنوك المركزية التي تصدرها واقتصادياتها التي تستخدمها كقوة مضافة، وأن ما يصيبها من ضعف يشارك في تبعاته “ مالكو” تلك العملة وحامليها!

لقد كان على أوروبا أن تشارك وتتحمل تبعات الحرب الباردة، بإرادة أو بدون ارادة، وما كان لها ان تتحمل ابتزازات الدول الكبرى المتصارعة.، حتى عندما انهار الاتحاد السوفيتي ودول مداراته، وسارعت الولايات المتحدة الامريكية لملأ الفراغ السياسي والاستحواذ على السبق الاقتصادي، كان لا يزال على اوروبا، وبالتحديد المانيا وفرنسا، ان تراعي بعض القواعد في بناء علاقاتها مع روسيا الاتحادية، على وجه التحديد، ذات النفط والغاز الوفير والرخيص، وريثة الاتحاد السوفيتي ذي الأسلحة النووية وغيرها.

اقرأ أيضا: زيارة بايدن.. إذا تريد أرنب خذ أرنب، وإذا تريد غزال خذ أرنب

وما لم في الحسبان هو سرعة النمو الاقتصادي للتنين الصيني الرفيق الاقدم للماركسية اللينية السوفيتية، الذي استطاع الاستحواذ على نسبة كبيرة من اسواق العالم ومنها الاوروبية، حيث اصبحت تتنامى صادرات وورادات الصين الى دول العالم ومنها اوروبا، وباتت ملاذاً لصناعاتها الكبيرة وتكاليفها المناسبة. وهنا دق ناقوس الخطر في حسابات البقاء الطليعي للولايات المتحدة الامريكية ودرجة تنافسيتها.



وهكذا شكلت كل من روسيا والصين خطوطاً حمراء بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية في علاقاتها وابعادها مع دول اوربية بعينها وفي مقدمتها المانيا وفرنسا. فلم تكن مشاريع نقل الطاقة ولا عمل المستشار الالماني السابق شرويدر في روسيا، ولا توسع العلاقات الاقتصادية مع الصين بالمريحة للولايات المتحدة، وعندها بدأ الحساب السياسي الأمريكي، وابتدأ في ضم دول جديدة للنيتو وتنشيطه، واختلاق أسباب لإيقاف مشاريع نقل الطاقة، وهكذا بدأت الحرب في أوكرانيا والتوترات حول تايون وفي منطقة المحيط الهادي!

أن أوروبا، لا سيما أبرز دولها، تعيش اليوم موقفاً حرجاً بين مواقفها والتزاماتها السياسية والعسكرية وبين مصالحها الاقتصادية. انها اليوم بين المطرقة والسندان.

Exit mobile version