زيارة فضائي إلى حارة العرب!

بقلم: الدكتور نزار محمود

في العام 3000 أراد رحالة فضائي من أحد الكواكب البعيدة أن يزور قرية الأرض. كان عليه أن يستعين بخارطة وكتاب وجده في درج مهمل في إحدى زوايا مكتبه عن هذه الأرض وسكانها.
وكان قد جذب انتباهه قوم يدعون العرب في صحاريهم وجمالهم ونخلهم وواحاتهم وبما عرف عنهم من كرم الضيافة.
بدأت رحلته وهو يحمل في جعبته نوعاً من طعام وقطع من الذهب عرف فيها قيمة عند أهل هذه الأرض.
بعد أيام تحط عربته الفضائية على سطح الأرض، يترجل منها ببعض التوجس، يخرج خارطته ليهتدي بها إلى منطقة أسمها حارة العرب.
كان يسكن تلك الحارة خليط من بدو وريف وحضر دلت عليهم ملابسمهم وملامح وجوههم وتصرفاتهم. كما وقف ذلك الفضائي على فروقات في أوضاعهم المعاشية منذ اللحظات الأولى.
يتقدم الضيف الفضائي من حانوتي طالباً منه أن يدله على سكن يقضي فيه بعض الأيام والليالي، فما كان من الحانوتي إلا أن يرمقه بنظرة استغراب قائلاً: ليس في حارة العرب مثل هكذا سكن! فللعرب بيوتاً دائمة لضيوفها.
انبسطت سرائر الزائر ثم أردف: هذا ما كنت قد قرأته عن سجايا العرب، لكنه صعب علي أن أصدق ذلك.
لحظات ويغلق الحانوتي باب محله، ويصحب الضيف معه إلى داره بعد أن كان قد أخبر زوجته عن مقدم ضيف معه. وهكذا يمضي الضيف ليالي زيارته بضيافة الحانوتي الذي راح يجيب على كثير من أسئلة ضيفه التي تناولت حياة وأحوال السكان الحارة.
وفي إطار تساؤلاته يدور الحديث التالي:
الضيف: هل تسود العدالة في حارتكم؟
الحانوتي: لا يمكنني إجابتك بشكل مباشر. فماضينا ينصفنا، وحاضرنا يظلمنا، ومستقبلنا يمنينا!
الضيف: لم أفهم اجابتك تماماً.
الحانوتي: إذا كنت تسأل عن الحاضر فقد أجبتك كذلك.
الضيف: من يحكم هذه الحارة؟
الحانوتي: القوي!
الضيف: ومن هو ذلك القوي؟
الحانوتي: الذي لديه المال والسلاح.
الضيف: ولكن، أليس لكم دستور وقانون؟
الحانوتي: بلى
الضيف: وأين هي اذن؟
الحانوتي: هي على الرفوف في المحاكم ولدى القضاة.
الضيف: ولماذا يحكم إذن من لديه المال والسلاح؟
الحانوتي: لأنه صاحب المال والسلاح هو من يعين هؤلاء القضاة ويدفع لهم الرواتب والامتيازات.
الضيف: لقد رأيت فقراء في هذه الحارة. من يدافع عن حقوقهم وظروفهم؟
الحانوتي: الله
الضيف:
من هو الله، وأين هو؟
الحانوتي: في رؤوس هؤلاء الفقراء وضمائرهم.
الضيف: ولكن، لماذا لا يعاقب الله الأغنياء على ظلمهم؟
الحانوتي: لأن الفقراء لم يطلبوا منه ذلك بصدق.
الضيف: وكيف يجب عليهم طلب ذلك؟
الحانوتي: عندما يصبح لديهم الوعي وتسري في عروقهم الهمة وفي نفوسهم الكرامة، فإن الله سيستجيب لهم.
الضيف: فهمت. ولكن، أليس هناك من غير الله من يدافع عنهم؟
الحانوتي: نعم، يوجد هناك من يمنيهم بالقصاص من هولاء الظلام في الآخرة وبإعادة حقوقهم لهم.
الضيف: سأذهب إلى كوكبي وأعود بجيش يعينني على استرداد حقوق هؤلاء الفقراء الغلابة، لكن عليهم مساعدتي في مهمتي، وإلا فلن أنجح.
ينظر الحانوتي في عيني ضيفه، يطأطىء رأسه، ويشهق بعمق ثم تخرج من صدره زفرة حزينة…

Exit mobile version