بعد البر والبحر .. مهاجرون يصلون أوروبا جوا عبر “المراكب الطائرة”

أخبار القارة الأوروبية- متابعات

يبدو أن رغبة عدد من الدول الأوروبية في إقامة أسوار عند حدودها لمنع المهاجرين من العبور، وتسيير دول أخرى لدوريات وسفن بحرية لصد موجات المهاجرين، لن تحقق النجاعة الكافية لمنع هؤلاء الفارين من أوطانهم من الوصول إلى القارة الأوروبية، خاصة وأنه كلما زادت الإجراءات التي تتخذها الدول الأوروبية ابتكر المهاجرون طرقا متنوعة تؤرق مضاجع المسؤولين الغربيين وتربك حساباتهم من جديد.

القوارب الجوية

أحدث طرق المهاجرين في الوصول إلى أوروبا هي “القوارب الجوية”، والتي تعني الهروب وطلب اللجوء عبر الفرار من الطائرات التي تحط الرحال في الدول الأوروبية” الترانزيت”، والتي كانت آخر أمثلتها استغلال ركاب فلسطينيين لتوقف رحلة جوية في برشلونة لطلب اللجوء في إسبانيا.

السلطات الإسبانية سمحت لهؤلاء الركاب بالخروج من المطار، الجمعة لتلقي رعاية من الصليب الأحمر، وقررت النظر في طلبات لجؤئهم.

المحامية “هيلينا مارتينيز” التي ساعدت ستة منهم في إتمام الإجراءات أوضحت أن هؤلاء الأشخاص الـ39 هم فلسطينيون كان لديهم وضع لاجئ في لبنان ويعيشون في مخيم في ضواحي بيروت، مضيفة أنهم كانوا يحملون وثيقة سفر صادرة عن السلطات اللبنانية، فيما أكدت الشرطة أيضا أنهم فلسطينيون.

وحسب المحامية، فقد استقل هؤلاء الطائرة من بيروت إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا ثم إلى القاهرة وأخيرا برشلونة حيث كان من المفترض أن يستقلوا رحلة أخرى إلى كيتو عاصمة الإكوادور ثم بوغوتا وكولومبيا، لكنهم لم يستقلوها.

وفي انتظار نتيجة درس طلبات اللجوء، وهو إجراء قد يستغرق أشهرا، سيتولى الصليب الأحمر رعاية هؤلاء الفلسطينيين.

حادثة 5 نوفمبر( تشرين الثاني)

ووفقا للسلطات الإسبانية والمحامية، فإن هذه القضية مختلفة تماما عن تلك التي حصلت في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني في مطار بالما دي مايوركا في جزر البليار الإسبانية، حيث فر ما لا يقل عن 24 راكبا مغربيا كانوا في رحلة بين المغرب وتركيا عندما هبطت الطائرة اضطراريا في بالما بعد بلاغ كاذب عن شعور أحد الركاب بالإعياء، وقبض على 16 منهم ولا تزال الشرطة تبحث عن الثمانية الآخرين.

محاولاتان في أقل من أسبوعين لمجموعة من المسافرين للدخول إلى إسبانيا جوا، الحالة الأولى أثارت مخاوف السلطات الإسبانية والغربية بعد أن فر أكثر من 20 شخصا من طائرة ركاب أُجبرت على الهبوط اضطراريا في جزر البليار الإسبانية، بعد ظهر يوم 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، إذ أقلعت طائرة تابعة لشركة العربية للطيران المغرب من طراز إيرباص A320 من الدار البيضاء في المغرب متجهة إلى تركيا.

الرحلة التي استغرقت ست ساعات، ليتبين ادعاء رجل مغربي كان على متن الطائرة معاناته من حالة طبية طارئة بسبب نوبة سكري.

طلبت الطائرة الإذن بالهبوط في مطار “سون سانت خوان” في “بالما”، بجزيرة “مايوركا” الإسبانية، حتى يتسنى له تلقي الرعاية الطبية، وعند الهبوط، نُقل الرجل في سيارة إسعاف إلى مستشفى “سون لاتزر”، برفقة الحرس المدني، مع رجل آخر كان مسافرا بصحبته، وفي هذه الأثناء، حاولت مجموعة من الركاب النزول من على متن الطائرة.

محكمة محلية كشفت عن نشوب مشادة كبيرة على متن الطائرة، حيث تم توبيخ الطاقم وترهيبه من قبل العديد من الركاب الذين طلبوا السماح لهم بالخروج للتدخين والصعود إلى مهبط الطائرات. وفي نهاية المطاف، تمكن أكثر من 20 راكبا، جميعهم مغاربة باستثناء فلسطيني واحد، من تجاوز الطاقم وموظفي المطار الذين كانوا يحاولون إغلاق باب الطائرة، وفي غمار تلك الفوضى تعرضت مضيفة جوية لإصابة.

لقطات صورها أحد الركاب الذين بقوا على متن الطائرة، أظهرت العديد من الرجال يحاولون النزول بينما ركض آخرون، خرجوا بالفعل من الطائرة، عبر المدرج.
تسبب وجود المدنيين على مدرج الهبوط في إغلاق المطار لنحو ثلاث ساعات، وتعطيل حوالي ثلاثين رحلة جوية، ثم تسلق الرجال الذين صعدوا إلى مهبط الطائرات السياج المحيط وهربوا.

في هذه الأثناء، تم تسليم الرجل الذي نُقل سابقا إلى المستشفى واعتقاله، بينما فر رفيقه من المستشفى لكنه ما لبث أن اعتقل هو الآخر، وغي الساعات التالية احتُجز ما مجموعه 18 مهاجرا، معظمهم بالقرب من المطار، وبدأت رحلة البحث عن 6 آخرين مازالو طلقاء، سافر اثنان منهم على الأقل بعبّارة إلى برشلونة.

دعوات لتشديد الإجراءات الأمنية بالمطارات

يواجه المشتبه بهم تهما بارتكاب مجموعة من الجرائم، تتراوح بين تسهيل الهجرة غير الشرعية، وإحداث حالة فوضى عامة، والتحريض على الفتنة، لكن الحادث أثار دعوات لتشديد الإجراءات الأمنية في مطار بالما، وهو أحد أكثر مطارات أوروبا ازدحاما، ووعدت الحكومة الإسبانية بالاستجابة.

“آينا كالفو”، ممثلة الحكومة المركزية في جزر البليار، قالت “إن الجهود التي تُبذل تأتي لضمان أن يظل هذا الحادث فرديا واستثنائيا تماما، إذ أن كل المطارات في العالم باتت على دراية بما حصل ومتيقظة في حال حدوث شيء مماثل”.

بينما وصف القنصل المغربي في “بالما”، “عبد الله بيدود”، الأمر بأنه “مغامرة غير مدروسة” و “لن تتكرر”.

ورغم تصريحات القنصل، هناك تكهنات بأن طريقة الدخول إلى أوروبا، التي تطلق عليها بعض وسائل الإعلام الإسبانية اسم “القارب الجوي”، وهو ما تكرر مع حالة الفلسطينيين القادمين من القاهرة.

القوراب الجوية أرخص وأكثر أمانا

في السنوات الأخيرة، حاول عشرات الآلاف من المهاجرين الأفارقة عبور البحر المتوسط إلى البر الرئيسي الإسباني وجزر البليار، أو المحيط الأطلسي إلى جزر الكناري، في رحلة معروفة بكونها محفوفة بالمخاطر، أودت بحياة أكثر من 1700 شخص في العام الماضي وحده، إضافة إلى المبالغ الكبيرة التي قد يدفعها المهاجرون للحصول على مساعدة المهربين.

على النقيض من ذلك، يمكن أن تصل تكلفة رحلة الدار البيضاء إلى إسطنبول إلى 200 يورو (170 جنيها إسترلينيا؛ 230 دولارا).

الأمراض الزائفة ونوبات الهياج الجنونية، وطرق إبداعية أخرى للوصول إلى أوروبا أصبحت الآن خيارا لا مفر منه للمهاجرين، وهي طرق رغم إثارتها للمخاوف بشأن أمن المطارات، إلا أنها بدائل أفضل من الطرق التقليدية إذ تُجنب المهاجر الاحتمالات الكبيرة للموت في البحر، كما أنها لا تعود بأية فائدة على المافيا التي تتحكم بأعمال عبور البحار.

وفي الوقت الذي تبحث فيه المطارات في إسبانيا وأماكن أخرى عن طرق لضمان عدم تكرار هذه الحوادث، لكن هذا المثال قد يكون بداية لتوجه جديد، فالقوارب الجوية اقتصادية أكثر بكثير، وأقل خطورة بمراحل، ودون ديون ينبغي سداداها لاحقا، كما أن حظوظها في النجاح أكبر.

حزب “فوكس” اليميني المتطرف، رأى منذ الحادث الأول بجزر “البليار” الإسبانية إثباتا لموقفه المناهض للمهاجرين، ودليلا على أن الحدود الجوية والبرية والبحرية لإسبانيا بحاجة إلى مزيد من الإجراءات الشرطية.

استغلال الخطوط الجوية كان يتم في السابق بصورة غير مباشرة كما كان يجري عبر استقبال بيلاروسيا المهاجرين جوا من دمشق ثم تركهم يكملون الطريق البري نحو بولندا لكن هذه المرة بات المهاجرون يحطون الرحال فجأة في قلب الدول الأوروبية، ورغم ندرة الحالات التي التي وقعت بهذه الطريقة إلا أنها مرشحة وبقوة للارتفاع ما يجعل الدول الأوروبية مجبرة على إعادة حساباتها في هذا الملف من جديد.

Exit mobile version