رغم الانتقادات.. الائتلاف الحكومي في ألمانيا يفتح الباب واسعا أمام المهاجرين

أخبار القارة الأوروبية- ألمانيا

دعونا “نكون أكثر جرأة من أجل مزيد من التقدم عن طريق التحالف من أجل الحرية والعدالة والاستدامة”. هكذا كان عنوان اتفاق الائتلاف الحكومي القادم في ألمانيا بزعامة “أولاف شولتس” بين حزبه الاشتراكي وكل من حزب الخضر والحزب الليبرالي، لإدارة البلاد خلال السنوات الأربع المقبلة.

ورغم تركيز الائتلاف على مواجهة جائحة كورونا إلا أن التحالف كان له موقف لافت تجاه ملف المهاجرين الحساس، دون أي اعتبارات لليمين المتطرف في ألمانيا وحتى في باقي الدول الأوروبية.

فتح الباب واسعا أمام المهاجرين واللاجئين

بنود اتفاق التحالف الحكومي الجديد فتحت أبوابا أوسع للهجرة الماهرة واللجوء، ولكن بشكل منظم عبر السفارات والمؤسسات الألمانية المعنية وبعيدا على العشوائية والاتجار بالبشر واجتياز الحدود سرا، وغيرها من الطرق اللاشرعية.

الاتفاق نص على أن التحالف “يخطط لبداية جديدة تهدف إلى جعل ألمانيا بلد هجرة من الطراز الحديث”، كذلك على وجوب تقليص “الهجرة غير النظامية والعمل على هجرة منظمة تراعي الواقع الألماني”.

ومما يعنيه ذلك الإسراع في إصدار الفيزا والعمل على رقمنتها، كما يعني إلغاء حظر العمل على الذين يعيشون في ألمانيا وفسح المجال أمامهم لتعلم اللغة والاندماج والحصول على الجنسية الألمانية بشكل أسهل وأبسط من خلال تقليص الاجراءات البيروقراطية الألمانية المعقدة والمنفرة.

كما تخطط الأطراف الثلاثة التي ستشكل الحكومة المقبلة لتمكين المزيد من الأشخاص الذين تم منحهم وضع اللاجئ أو الحماية الفرعية أو أي مستوى حماية آخر من إحضار أقاربهم إلى ألمانيا كجزء من لم شمل الأسرة، كما تم التوافق أيضاً على عدم بناء “مراكز استقبال” جديدة، وهي مراكز كبيرة، كان الغرض منها جمع وإيواء طالبي اللجوء بعد وصولهم إلى ألمانيا. وسيسرع الائتلاف من إجراءات اللجوء وذلك لتسريع عمليات الإعادة لمن ليس لديهم أسباب قانونية للبقاء في ألمانيا.

كما أعلنت أحزاب الائتلاف في الحكومة القادمة عن رغبتها في “تحسين تمويل العودة التي ترعاها الدولة للأشخاص الذين لا يتمتعون بحق البقاء”، مؤكدة أن برامج العودة الطوعية ستكون الوسيلة المتبعة المفضلة لإبعاد المهاجرين المرفوضين مقابل عمليات الترحيل التقليدية، وبالرغم من أن عمليات الترحيل ستبقى جزءاً من سياسة الهجرة الشاملة للحكومة القادمة، فإن خطة التحالف تعد أيضاً بوضع أحكام لضمان وقف عمليات الترحيل مؤقتاً إذا ساء الوضع الأمني في بلد معين.

كما وعدت الحكومة الائتلافية الجديدة بتقليص عدد القضايا المتراكمة في المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) من أجل تسريع إجراءات اللجوء: “نريد تسريع البت في قرارات اللجوء وكذلك توحيد الاختصاص القضائي للنظر في القضايا”.

وكجزء من التحول في سياسة الهجرة، تأمل الحكومة الجديدة أيضاً في توفير المزيد من الفرص للأشخاص الفارين من الاضطهاد للقدوم إلى ألمانيا بطرق شرعية.

تسهيل الحصول على الإقامة للملتزمين بالقانون

كذلك اتفقت الأطراف السياسة الثلاثة على تسهيل وتوفير فرص الإقامة للأجانب الملتزمين بالقانون والذين يعيشون في ألمانيا منذ سنوات بشكل مخالف للقانون، كما تريد الأحزاب لأي شخص يعيش في ألمانيا منذ خمس سنوات بحلول 1 يناير/ كانون الثاني 2022، ولم يرتكب أي جرائم جنائية وملتزم بالنظام الديمقراطي الحر في البلاد، أن يتمكن من الحصول على تصريح إقامة لمدة عام واحد كنوع من الاختبار.

بهذه الطريقة، يمكن للمقيمين بدون وضع قانوني الانتقال إلى مرحلة أخرى من أجل الوفاء مستقبلاً بمتطلبات الحصول على حق دائم في البقاء في البلاد، لا سيما من خلال تأمين العمل القانوني وإصدار أوراق قانونية، حيث نص الاتفاق “نحن نلغي حظر العمل للأشخاص الذين يعيشون بالفعل في ألمانيا”.

بالإضافة إلى هذه التغييرات، من المحتمل أيضاً إقرار قانون جديد للجنسية، مما سيسهل على ملايين المهاجرين في ألمانيا الحصول على الجنسية بعد خمس سنوات، وفي حالات معينة بعد ثلاث سنوات.

والأهم من ذلك، أنه سيسمح للراغبين بالتجنس أيضاً بالاحتفاظ بجنسيتهم السابقة عند تجنيسهم كمواطنين ألمان. في الوقت الحالي، حتى الآن كان على المواطنين الألمان الجدد التخلي عن جنسيتهم القديمة ليتم تجنيسهم، على الرغم من وجود استثناءات تسمح بالجنسية المزدوجة خاصة لدول في الاتحاد الأوروبي.

الأحزاب كشفت أيضا عن عنيتها إجراء إصلاح جذري لنظام اللجوء داخل الاتحاد الأوروبي: “هدفنا هو إقامة توزيع عادل للمسؤولية والولاية القضائية لقبول المهاجرين بين دول الاتحاد الأوروبي”.

انتقادات المعارضة

هذه الاتفاقية الجريئة فيما يتعلق بملف المهاجرين نالت انتقادات من قبل ساسة الحزب الديمقراطي المسيحي وحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي المناهض للمهاجرين.

“رالف برينكهاوس”، من الحزب الديمقراطي المسيحي، الذي تنتمي إليه المستشارة المنتهية ولايتها “أنغيلا ميركل”، قال إن نهج اتفاق الائتلاف في سياسة الهجرة يمكن أن يكون بمثابة “عامل جذب”، مما يعني أنه يمكن أن يشجع المهاجرين واللاجئين على محاولة الوصول إلى ألمانيا، واصفاً اتفاق الائتلاف بأنه “يساري بشكل كبير جداً”.

كما اتهم رئيسا كتلة حزب البديل من أجل ألمانيا في البرلمان ، “أليس فيدل” و”تينو شروبالا،” الائتلاف الحاكم المقبل بوضع خطة سياسية من شأنها أن تحول ألمانيا إلى “مغناطيس للمهاجرين”.

وبرغم هذه الانتقادات إلا أن الاتفاق في النهاية يعكس عزم ائتلاف “إشارة المرور” على استمرار التزام المانيا باستقبال لاجئين ومهاجرين لأسباب إنسانية، وهو الأمر الذي برهنت عليه خلال الأزمات التي شهدتها مناطق عديدة على رأسها سوريا وقبلها العراق وأفغانستان والبوسنة والهرسك، لكنه يعكس أيضا حاجة ألمانيا الماسة إلى العمالة الأجنبية المتخصصة، لأن استمرار ازدهار الاقتصاد مرتبط باستقدامها، خاصة في ظل معاناة ألمانيا من أزمة ديموغرافية تتمثل في ارتفاع نسبة كبار السن والمتقاعدين في المجتمع مقابل تراجع نسبة الشباب ومن هم في سن العمل وبالتالي نقص العمالة المتخصصة.

الحاجة للعمالة دافع قوي لتشجيع الهجرة

وتقدر حاجة ألمانيا السنوية إلى العمالة الأجنبية المتخصصة ما بين 140 إلى 150 ألف شخص سنويا خلال العقد الحالي والعقود الأربعة اللاحقة، إضافة إلى تبعات انتشار وباء كورونا على الاقتصاد مايزيد من الحاجة إلى العمال في إعادة هيكلة الصناعة والزراعة بهدف تجاوز مشكلة انقطاع سلاسل التوريد وارتفاع أسعار النقل العالمية، ومما يعنيه ذلك إقامة صناعات جديدة وإعادة توطين أخرى هجرت ألمانيا من قبل بهدف تقليل الاعتماد على الخارج في استيراد الكثير من مكونات الانتاج في مجالات من بينها على سبيل المثال الإلكترونيات والبطاريات ومكونات الطاقة المتجددة.

ورغم قوة الاقتصاد الألماني إلا أن الحكومة القادمة تحتاج للموازنة بين رغبتها في إقامة مشاريع ترصد لها مبالغ مالية طائلة، وفي نفس الوقت توفير العدد الكافي من العمال المتخصصين من الخارج لتغطية النقص في مشاريعها الطموحة القادمة.

النقص في العمالة المتخصصة موجود حاليا بحدة في أكثر من قطاع على رأسها الصحة والمعلوماتية والبناء، ومن هنا يأتي الطلب الكبير حاليا على المتخصصين في الخدمات الطبية وهندسة المعلوماتية.

وفي قطاع البناء وصل الأمر إلى حد أصبح من الصعب جدا الحصول على خدمات شركات البناء المتخصصة دون مرور أشهر على حجز موعد، ومنها أعمال صيانة النوافذ والأبواب والجدران وأسطح الأبنية وتجهيزات التدفئة وتمديدات المياه.

ويعتمد قطاع البناء في ألمانيا بشكل كبير على العمالة الأجنبية القادمة من شرق أوروبا وتركيا، ومن الواضح أن أسواق هذه البلدان ليست قادرة على توفير العدد المطلوب من المؤهلات لهذا القطاع حاليا، وبالتالي فإن ألمانيا بحاجة إلى عشرات الآلاف من العمالة الأجنبية المتخصصة الإضافية خلال السنوات التسع القادمة.

وسيتم البحث عن هؤلاء في مختلف البلدان بما فيها البلدان العربية التي ستعاني من هجرة المزيد من الكفاءات على ضوء ذلك، غير أن حاجة ألمانيا للكفاءات الأجنبية شيء، وقدرتها على جذبها شيء آخر.

فالأمر في النهاية وكما أظهرت محاولات مشابهة لحكومات المستشارة “أنغيلا ميركل” سيكون مرتبطا إلى حد كبير بحجم وسرعة التسهيلات التي سيتم تنفيذها في مجال المعاملات البيروقراطية المتعلقة بمنح تأشيرات السفر ومعادلة الشهادات وبرامج تعلم اللغة الألمانية وتأمين السكن وبرامج الاندماج في سوق العمل.

Exit mobile version