مع اقتراب معركة كييف.. كيف تتعامل أوروبا مع الأزمة الأوكرانية

أخبار القارة الأوروبية – تقارير

يستمر الغزو الروسي لأوكرانيا، ومع عزم موسكو على تحقيق أهدافها بتقويض قدرات أوكرانيا العسكرية، وفرض سطوتها عليها، بات الأوروبيون في موقف لا يحسدون عليه، في ظل وجود مسارات متعددة للتعامل مع هذه الحرب، خاصة مع قرب القوات الروسية من العاصمة الأوكرانية كييف.

روسيا شنت حربا على أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي، وركزت أعنف هجماتها على جنوب وشرق البلاد، وحاصرت مدنا بينها ماريوبول وخاركيف بنيران المدفعية والضربات الجوية، وتسببت في وقوع أضرار جسيمة وضحايا.

لكن جزءا كبيرا من مسار الحرب متعلق بالعاصمة كييف التي عزز فيها جنود أوكرانيون الدفاعات حول العاصمة الأوكرانية كييف الأحد، وحفروا خنادق وأغلقوا الطرق ونسقوا مع وحدات الدفاع المدني، في الوقت الذي قصفت فيه القوات الروسية المناطق المحيطة وهاجمت البلدات والقرى المجاورة.

وبينما كانت القوات المسلحة والمتطوعون المدنيون يباشرون أعمال الحفر، واصل آلاف الأشخاص محاولة الفرار من المدينة التي يبلغ تعدادها 3.4 ملايين نسمة، مع انتشار المخاوف من وقوع هجوم شامل.
وتفادت كييف أسوأ المعارك حتى الآن، لكن البلدات والقرى المحيطة بها تشهد معارك عنيفة.

ونشرت وزارة الدفاع الروسية، اليوم الأحد، لقطات لبعض مركباتها العسكرية وهي تتحرك بالقرب من العاصمة.

وأظهر مقطع مصور سجلته القوات المسلحة الأوكرانية، أمس السبت في العاصمة كييف، الجهود التي يبذلها الأوكرانيون للدفاع عن مدينتهم باستخدام أكوام من أكياس الرمل وألواح خرسانية عبر طريق رئيسي، بينما كان جنود أوكرانيون يفحصون السيارات المارة بعناية.

وجرى إغلاق طريق أصغر بحواجز معدنية مضادة للدبابات، وتم نصب مواقع للمدافع الرشاشة. وتعهد المدنيون بالانضمام إلى المعركة لحماية كييف، وشوهدت قنابل المولوتوف الحارقة على جانب الطريق.

وتصف روسيا أفعالها في أوكرانيا بأنها “عملية خاصة”، لا تهدف إلى احتلال الأراضي، لكن لتدمير القدرات العسكرية لجارتها وأسر من تصفهم بـ”القوميين الخطرين”.

التعامل الأوروبي مع هذه الأوضاع بات مرتبكا إلى حد كبير فرغم فرض عقوبات غير مسبوقة وتقديم دعم هائل لأوكرانيا، لم ينجح الغربيون في وقف الغزو الروسي لهذا البلد بل يتوقعون “الأسوأ”، غير أن خياراتهم لتشديد الضغط على الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” تبدو معقدة.

فرض العقوبات

دول مجموعة السبع توعدت بفرض “عقوبات صارمة جديدة” على روسيا وتعهد وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” بـ”إبقاء الضغط” إلى أن “تنتهي الحرب، فيما حذر الأمريكيون قبل بدء الغزو بأنهم سيفرضون تدابير تكون “في أعلى السلم منذ البداية” وهذا ما فعلوه.

فقد فرضوا مع حلفائهم الأوروبيين عقوبات غير مسبوقة على النظام المالي الروسي وعلى الأثرياء المقربين من الكرملين، كما حظروا صادرات التكنولوجيا الحيوية وفرضوا حصارا جويا على روسيا، وأقصيت روسيا من المسابقات الرياضية الكبرى وانسحبت عشرات الشركات من البلد.

وقال السفير الأمريكي السابق في كييف “وليام تايلور” “أنا من الذين كانوا يعتقدون” أن التهديد بالعقوبات “سيكفي لردع الرئيس “بوتين” عن شن هجومه العسكري “لكن هذا لم يكن الحال”، وأضاف “لست واثقا بالتالي أن المزيد من العقوبات سيقنعه بالانسحاب”.

وتم حتى الآن تحييد قطاع الطاقة نسبيا، لكن العديد من البرلمانيين الأمريكيين يطالبون الرئيس “جو بايدن” بحظر واردات النفط الروسي إلى الولايات المتحدة، الذي لم يستبعد هذا الإجراء.

كما يطالب بعض الصقور بقطع النظام المالي الروسي تماما عن باقي العالم، في وقت حرص الغربيون على استهداف المصارف الأقل ارتباطا بقطاع المحروقات.

“بلينكن” قال إن هذا الاقتراح سيتسبب في خفض العرض العالمي للطاقة وسيرفع تلقائيا “الأسعار في محطات الوقود” في أمريكا وأوروبا، وحذر من أن هذا ليس من “المصلحة الإستراتيجية” للغرب، موحيا بأن واشنطن تراهن بالأحرى على مفاعيل العقوبات المفروضة حاليا.

أوكرانيا تطالب بحظر جوي

الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” يطالب من جهته الحلف الأطلسي بفرض منطقة حظر جوي فوق بلاده للحد من الغارات الروسية على كييف ومدن أخرى.

غير أن هذا يبقى في الوقت الحاضر خطا أحمر يرفض الحلف الذي لا تنتمي إليه أوكرانيا، اجتيازه.

الأمين العالم للحلف “ينس ستولتنبرغ” أوضح أن “الوسيلة الوحيدة لفرض منطقة حظر جوي هي إرسال طائرات مقاتلة للحلف الأطلسي إلى المجال الجوي الأوكراني، ثم إسقاط طائرات روسية لفرض احترامها” محذرا بأن ذلك سيؤدي حتما إلى نشوب “حرب شاملة في أوروبا”.

ويعتقد العديد من الخبراء بالتالي أن الأمريكيين والأوروبيين سيلتزمون بهذا الموقف طالما أن النزاع يبقى محصورا في أوكرانيا، أو أقله خارج دول الحلف، مشيرين إلى مخاطر نشوب مواجهة نووية.

وإزاء رفض اعتماد مثل هذا الحل، تلتزم واشنطن والاتحاد الأوروبي في الوقت الحاضر بمواصلة تسليم أسلحة إلى القوات الأوكرانية، مع ارتفاع أصوات مطالبة بإمدادها بأسلحة أكثر هجومية مثل مقاتلات سوفياتية الصنع تملكها بعض دول أوروبا الشرقية ويعرف الطيارون الأوكران كيفية قيادتها وتشغيلها.

استهداف بوتين

بعض المراقبين يرون أن العقوبات، بخنقها الاقتصاد الروسي واستهداف أصول الأوليغارشيين من أوساط الكرملين الذين حققوا ثروات طائلة، قد تدفع بعض أفراد الدائرة المقربة من بوتين على الانقلاب ضده.

ورأى مدير معهد الأبحاث الإستراتيجية في المدرسة الحربية في فرنسا “جانجين فيلمر” أن ثمة “احتمال كبير بحصول انقلاب من داخل القصر أو تمرد أوليغارشي”. لكن هذا الاحتمال يلقى تشكيكا لدى البعض ومنهم “صمويل شاراب” من مؤسسة راند للدراسات.

وقال : “الأفراد الذين يمكنهم التأثير على مجرى الأمور في غاية الولاء وهم في موقعهم تحديدا بسبب ولائهم”.

الحل الدبلوماسي

يرى “شاراب” أنه يجدر بجو بايدن مواصلة المحاولات لإقناع بوتين بالتراجع، على غرار ما يفعله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس، بالاستناد إلى “توازن القوى” الناجم عن العقوبات.

وقال “قد يكون هذا مستحيلا، لكنني أعتقد أنه افضل ما يمكننا القيام به في الوقت الحاضر”. فيما يراهن البعض على خصم آخر للولايات المتحدة والأوروبيين هو الصين.

وقال دبلوماسي غربي إن “بكين مستاءة بشكل متزايد من الوضع” مشيرا إلى أنها “لم تهب لنجدة الاقتصاد الروسي والتعويض عن مفاعيل العقوبات. بإمكان الصين من الآن فصاعدا لعب دور أكثر فاعلية من الغربيين في الكواليس”.

Exit mobile version