الوضع في أوكرانيا بين استمرار الحشود الروسية والموقف الأوروبي

أخبار القارة الأوروبية – متابعات

تزداد الأزمة الأوكرانية تعقدا مع استمرار الحشود الروسية على الحدود، وهو ما يجعل الدول الأوروبية في وضع صعب إلى حد ما بسبب ما يبدو أنه عجز عن اتخاذ قرار واضح في هذه الأزمة التي تقع عند حدوده.

مع اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لإيجاد موقف مشترك حيال الأزمة في شرق أوكرانيا، ورغم تضاؤل الدور الجيوسياسي للتكتل في المواجهة مع روسيا، إلا أن مراقبين يرون أن الأزمة قد توفر حافزا لتقوية الوحدة الأوروبية.

تراجع في الملف الأوكراني

الموقف الأوروبي تراجع كثيرا في ملف الأزمة الأوكرانية حتى أن الولايات المتحدة قد عقدت مباحثات مع مسؤولين روس في جنيف حول الأزمة الأوكرانية دون تخصيص مقعد للتكتل الأوروبي على طاولة المفاوضات أو إشراك أي من مسؤولي الاتحاد في تلك المباحثات، وهو ما دفع وزيرة الخارجية الألمانية “أنالينا بيربوك” للمطالبة بإشراك أوروبا في المفاوضات.

حتى حلف الناتو الذي يضم عددا كبيرا من الدول الأوروبية، قد عقد مباحات ثنائية مع روسيا في مقر حلف الأطلسي وليس مقر الاتحاد الأوروبي الذي يجمع رؤساء دول وحكومات التكتل.

وبعد اتهام الدول الغربية لروسيا بحشد 100 ألف جندي قرب حدود أوكرانيا طالبت الدول الربية بانسحاب تلك القوات، ومع تزايد المخاوف من غزو روسي لأوكرانيا عقد المجلس الدائم لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا محادثات في مقره بالعاصمة النمساوية فيينا في إطار جولة الحوار الدبلوماسي الثالثة والأخيرة بعد جنيف وبروكسل لنزع فتيل الأزمة في أوكرانيا.

محور الخلاف يدور حول مطالبة موسكو لدول الناتو بوقف التوسع شرقا وسحب قواته من بلدان الاتحاد السوفيتي السابق، وعدم ضم أوكرانيا لحلف الناتو، وهو ما تراه الولايات المتحدة مطالب غير واقعية، وفي خضم هذا الأخذ والرد تبدو دول الاتحاد الأوروبي بعدية نسبيا عن المشاركة الفعلية في ما يجري بهذا الملف.

من جهته حاول مصدر دبلوماسي فرنسي التأكيد على عدم تحييد الدور الأوروبي، مؤكدا أن التكتل الأوروبي منخرط في المناقشات الجارية بشأن أزمة أوكرانيا، وأن بروكسيل تنسق مع الولايات المتحدة التي تطلع دول التكتل على نتائج المباحات مع الجانب الروسي.

هذا الوضع الأوروبي استلزم اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يومي الخميس والجمعة الماضيين في مدينة بريست الفرنسية لمناقشة التوترات في المنطقة.

فرنسا تطمح لاستقلال الاتحاد الأوروبي

ويشبه مراقبون المباحات الأمريكية الروسية الحالية بالوضع بعد الحرب العالمية الثانية حيث كانت الدولتان تقرران مصير دول العالم، بينما تتعقد الأمور بالنسبة للاتحاد الأوروبي مع تولي الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” رئاسة الاتحاد في يناير / كانون الثاني الجاري لمدة ستة أشهر والذي تعهد بمنح استقلالية إستراتيجية لأوروبا.

وكان “ماكرون” قد حدد في ديسمبر/كانون الأول الماضي هدف الرئاسة الفرنسية للتكتل الأوروبي في جعل “أوروبا قوية في العالم وذات سيادة كاملة وحرة في خياراتها وسيدة لمصيرها”.

وفي هذا السياق، أعلن “ماكرون” عن أجندة طموحة تشمل إصلاح منطقة شنغن مع تشديد الرقابة على الحدود الخارجية لأوروبا وتعزيز التعاون بين أجهزة الأمن والشرطة بين بلدان الاتحاد وعقد صفقة اقتصادية جديدة مع إفريقيا فضلا عن إيجاد سياسة دفاع أوروبية مشتركة.

المعطيات الجارية تفرض على الاتحاد الأوروبي الخروج من عباءة “القوة الناعمة” التي تقتصر على الجوانب الاقتصادية والتجارية إلى أن يصبح “قوة صلبة” من الناحية الجيوسياسية، لكن هذا التحول يتطلب الوصول إلى إجماع أوروبي بالغ أهمية وتجاوز الخلافات بين بلدان الاتحاد، فبلدان التكتل لا تنظر نفس النظرة للأزمات المشتركة، فإيطاليا ليس لديها نفس القلق الذي ينتاب بولندا حيال الوضع الأمني شرقا.

اقرأ أيضا: كيف يؤثر اتجاه ألمانيا للتحول إلى الطاقة النظيفة على إمدادات الغاز الروسية

هذا التباين في المخاوف يجعل الاتحاد الأوروبي بحاجة للتحول لى دولة واحدة برئيس وبرلمان موحدين حتى يستطيع لعب دور سياسي وجغرافي قوي على غرار الولايات المتحدة، وهو أمر مستبعد في الوقت الحاضر.

ورغم هذه النظرة التشاؤمية حيال إمكانية تحقيق وحدة أوروبية كاملة، إلا أن بعض المراقبين للشأن الأوروبي يرون أن الأمر يحمل في طياته بعض الجوانب الإيجابية، فقد يدفع هذا الأمر بلدان الاتحاد الأوروبي إلى التوصل إلى موقف دفاعي مشترك بشكل أكثر إلحاحا، لكنه يجب عليه الاعتراف أن العالم تهيمن عليه قوى متنافسة مثل الصين والولايات المتحدة، ما يحتم التحرك على الدول الأعضاء قبل أن نفقد زمام الأمور في المستقبل ويتم تجاوز الدول الأوروبية.

ولا يشترط أن تصبح الدول الأوروبية كتلة كدولة واحدة لتحسين وضعها وإنما يمكن تحديد بوصلة استراتيجية موحدة في المجالين الدفاعي والأمني للعقود المقبلة، وهو ما يدخل في إطار طموحات “ماكرون”.

هذا ويتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تقاربا أكبر بين بلدان الاتحاد الأوروبي خاصة في قضايا الهجرة، في ظل الإجماع على ضرورة أن تستعيد البلدان الأوروبية السيطرة على حدودها الخارجي في حالة استمرار الوحدة بين هذه الدول، وإلا ستزداد وتيرة القومية أكثر داخلها، وقد يشكل الاتحاد الأوروبي تكتلا موحدا أكثر في المستقبل.

Exit mobile version