ملاحظات حول موقف الصين من الحرب الروسية في أوكرانيا

بقلم: الدكتور نزار محمود

الدكتور نزار محمود

ليس هناك من دولة في العالم بالقادرة على حسم ما تنتهي اليه الحرب الروسية في أوكرانيا، بعد مشيئة الله، مثل موقف الصين. بيد أن ذلك الموقف تحكمه عوامل وحسابات خطيرة وحساسة. فما هي تلك العوامل:

العامل السياسي

إن الصين تدرك أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة وتحالفها مع الاتحاد الأوروبي وهيمنته على كثير من انظمة دول العالم ومنظماته الدولية، بالقادر على كسب الرهان في القرارات السياسية الدولية ومواقف الدول، كما حصل في تصويت الجمعية العامة بادانة ما يزيد عن ١٤٠ دولة للغزو الروسي لأوكرانيا، وتحفظ عشرات منها بما فيها هي الصين نفسها.

العامل الاقتصادي

لقد حققت الصين طفرتها الاقتصادية في الثلاثين عاما الماضية، ومنذ أن انهار المعسكر الاشتراكي الشيوعي الذي كانت تقوده واقعياً روسيا عام ١٩٩٠، بفضل تدم تصادماتها ومناكفاتها السياسية، وتسللها الى أسواق العالم بفضل رخص منتجاتها النسبي، ليشكل انتاجها القومي اليوم ربع انتاج العالم، وتكسب من الشركاء التجاريين الكثير وفي مقدمتهم امريكا واوروبا.

العامل العسكري

على الرغم من كبر الصين ونموها الاقتصادي الهائل واتساع نطاق تجارتها إلا أنها لم تعمل على زيادة ميزانيات تسلحها بما بوازي انتاجها ودخلها القومي، حيث لا تزال ميزانيتها العسكرية لا تشكل اكثر من ربع الميزانية العسكرية الامريكية، وليس لها إلا نزر يسير من القواعد العسكرية في العالم. كما أن قوتها النووية، ولأسباب وظروف كثيرة سكانية وغيرها، لا تشكل عامل حسم في المنازلات الدولية.

وفي ضوء هذه العوامل، ولأسباب تنافسية سياسية واقتصادية وثقافية، من جهة، وتحالفية وجغرافية من ناحية أخرى، تقف الصين، متمهلة متريثة، إزاء الحرب الروسية في اوكرانيا. ففي مجلس الأمن رفضت ادانة روسيا في حربها، وهكذا تحفظت على قرار الجمعية العامة للامم المتحدة بخصوص تلك الادانة.

وكما هو معروف عن ثقافة الصين السياسية، فهي الدولة غير المتسرعة والمتهورة في قراراتها، بيد أنها لا تستطيع اخفاء انحيازها الى جانب عدم تجريم روسيا أو تبريرها للعقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب ضد روسيا ولا تجد فيها من فائدة لحل النزاع، وأنها تدعو الى الحوار من أجل ذلك.

اقرأ أيضا: الحرب الاستباقية الأمريكية دوافع وملامح وأهداف

إن الصين ترغب، بالطبع، في استمرار نموها وتقدمها، كما أنها ترغب باستعادة حقوقها المغتصبة، كما تفهمها، مثل تايوان، وهو مايراه البعض شبيهاً بالمطالب الروسية في اوكرانيا. كما أن الصين تدرك حدود ومناطق مصالحها، وتعمل على تعزيزها. فاستثمارات الصين في ايران مثلاً، لم تكن دون حساب المصالح الأمريكية والتخوفات الروسية.

من هنا فإن موقف الصين من الحرب الروسية في أوكرانيا لن تخرج عن سياقات حسابات مصالحها واستقراءاتها لتطور الأمور، بيد أنها تبقى الطرف الاكثر تأثيراً في تحديد انجاهاتها.

Exit mobile version