بمشاركة جامعة الموصل.. ثلاث منظمات عربية تناقش الاندماج كـ”حق إنساني” في مؤتمر برلين

أخبار القارة الأوروبية – ألمانيا

هجرة العرب إلى ألمانيا والغرب بشكل عام ارتبطت دوافعها بظروف سياسية وأمنية واقتصادية وثقافية، الأمر الذي انعكس على أوضاع المهاجرين، عملية اندماجهم، إذ يعاني الكثير منهم من الإقصاء، والتهميش، والعزل الاجتماعي، والسياسي، والثقافي.

لبحث هموم ومشكلات المهاجرين، عقدت في برلين يوم السبت الفائت 24/9/2022 مؤتمرا تحت شعار “الاندماج كحق إنساني” برعاية ثلاث مؤسسات هي “المنظمة العراقية لحقوق الإنسان في ألمانيا، والمعهد الثقافي العربي في برلين، والمركز الألماني العربي”، وذلك بمشاركة جامعة الموصل وجمعية نينوى المتحدة للتنمية.

وشارك في المؤتمر نخبة من الناشطين والعاملين في مجال الاندماج والتعايش السلمي المجتمعي، وحقوق الإنسان وأساتذة جامعيين، وألقيت فيه مجموعة من المحاضرات، والمداخلات، والنقاشات، التي عبرت عن وجهات نظر متعددة وشاملة، من خلال عرض خبرات حياتية ومواقف متباينة، سواء من جانب المجتمع المضيف، أو من قبل المهاجرين ذاتهم، وسلط المؤتمر الضوء على معوقات الاندماج، وكيفية التعامل معها وتجاوزها، وكذلك أسباب ضعف التأثير السياسي والثقافي للجاليات العربية في ألمانيا.

المؤتمر ركز على جوانب متعددة في قضية هجرة العرب إلى ألمانيا، ودوافعها، ومسائل اندماج المهاجرين، واختلاف مفاهيم هذه العملية التي تتراوح الإقصاء والتهميش، وبين احتواء وضم وتذويب خصوصيات أولئك المهاجرين، في مقابل النموذج الإنساني الايجابي الذي يتيح للمهاجرين المشاركة الفاعلة والعادلة في جميع مجالات الحياة، من سياسية، وقانونية، واقتصادية، وثقافية، واجتماعية، وحقوق الاحتفاظ بخصوصيات هوياتهم الثقافية، والاجتماعية، والسياسية، التي لا تتقاطع مع ثقافة واستقرار البلد المضيف وأمنه.

وشارك في إلقاء المحاضرات والمداخلات والنقاشات كل من الدكتور “حامد فضل الله”، والأستاذ “نادر خليل”، والدكتور “صالح الجنابي”، والدكتور “أحمد فكاك”، والدكتور “علي المعماري”، والدكتور “نزار محمود”، والأستاذ “هشام الكربولي”، والمهندسة “عنان” والطالبة بكلية العلوم الاجتماعية “حنان محمود”.

الدكتور “نزار محمود” رئيس المعهد الثقافي العربي في برلين، أدار جلسات المؤتمر الذي استغرق ثلاث ساعات، بمساعدة المهندس “محمد الوناس”، كمسؤول عن الجانب التقني.

خليل: لدينا ثقافة والاندماج مصطلح مطاطي

السياسي “نادر خليل” مدير المركز العربي الألماني الذي تأسس في 2008 من أجل مساعدة المهاجرين من أصول عربية في أوضاعهم الاجتماعية والسياسية وغيرها قال: “لا يوجد تعريف ومعايير واضح للاندماج في ألمانيا، وهو مصطلح مطاطي يمكن وضع تحته أي شيء، وعلينا تبديله بمصطلح التعايش السلمي، باعتباره الأساس في هذه القضية، لا سيما أن الألماني يفهم الاندماج أنه بمعنى الانصهار في المجتمع، وهو أمر غير مقبول وشائك”.

ويضيف “خليل”: “دائما ما نخوض المعارك السياسية، والمحادثات مع الأطراف الألمانية في الأروقة، أو مع السياسيين والمختصين في هذه المجالات، ونؤكد أننا لا نريد الانصهار في هذا المجتمع، ونحن لدينا ثقافة ودين يجب أحترامها، ونعيش في هذا البلد ومندمجون لكن مع الحفاظ على هويتنا الثقافية والدينية، وليس لدينا أي استعداد أن ننصهر في هذا المجتمع كما يريدون”.

وتساءل “خليل” عن المعايير التي تحدد أن هذا الشخص مندمج أو غير مندمج في المجتمع، موضحاً أن “هذه القضية حتى اليوم مازالت مسألة حوار في هذا المجتمع.”

“نادر خليل” مدير المركز الألماني العربي 

إلى جانب ذلك، أكد “مدير المركز العربي الألماني، أن “ألمانيا من وقت قريب بدأ تتحدث عن الثقافات المتنوعة في المجتمع، وبدأت تتقبل فكرة الاندماج مع الحفاظ على الهوية، فمثلا في قضية تعلم اللغة، كانوا يقولون لنا إن اللغة العربية عائق للطفل في المدرسة، ولكنهم اكتشفوا في الدراسات فيما بعد أن الطفل لو تعلم لغته الأم يكون لديه حافز أكثر، وقاعدة لتعلم اللغة الألمانية”.

واعتبر أن هذه المؤتمرات وهذه الاجتماعات كانت يجب أن تحدث في جاليتنا العربية مبكرا، حتى يكون لها مفهوم وموقف من هذه المسألة، التي لا تزال في موقع سؤال عند المجتمع الألماني، لافتاً إلى أن “هناك عدم وضوح تام فيما  يخص كلمة ومصطلح الاندماج، وبات مشكلة لأنه يستخدم في كل شيء ولا أحد يستطيع أن يلمس ما هو الاندماج حقيقة، ولا يوجد تعريف واحد له ما يجعلنا أمام مشكلة معرفة المعايير أو المقاييس في هذا القضية”.

وبحسب مدير المركز العربي الألماني فإن الأهم كيف ينظر الألماني للمهاجر كصاحب بشرة مختلفة عنه ولهجة مختلفة، حتى لو كانت له 20 أو 30 سنة في هذا البلد، وهل يراه كأجنبي غريب أم يراه كألماني مثله؟، ورغم أن الدستور والقوانين تساوي بينهم لكن في التعامل اليومي، هناك مشكلة وعنصرية في هذا المجتمع.

وأشار “خليل” إلى أنه “لدينا كمهاجرين وغرباء مشاكل أكبر مما يتخيل الإنسان، ويترتب عليها مشاكل اجتماعية مع أبنائنا والأجيال القادمة، وهو ما نواجهه يوميا في حياتنا ومجتمعنا العربي الموجود في هذا البلد، حتى الأحزاب السياسية وضعوا الاندماج على برامجهم في وقت قريب”، موضحاً أن “هناك أحزاب حتى اليوم لا تهتم بمسألة الاندماج، وتضعها كشعار فقط، وهذا ليس على صعيد ألمانيا فقط وإنما على صعيد أوروبا، وفي العشرين سنة الماضية حقيقة، ولم يتم التأسيس لمسألة الاندماج”.

اقرأ أيضا: اجتماع طارئ.. المجلس العربي الألماني ومنظمات مدنية تتحرك لإنقاذ العالقين على الحدود البيلاروسية

كما لفت “خليل” إلى أن أعداد العرب في برلين تصل إلى 230 ألف شخص، وقد وضع أوائل من قدموا إلى ألمانيا في الخمسينيات والستينيات وحتى الثمانينات من القرن الماضي على هامش المجتمع، متسائلا: كيف تستطيع دولة من أعرق الديموقراطيات أن تضع ناس على هامش المجتمع قانونيا، ولا تتيح لهم الإقامة وحق الإقامة والعمل وحق الدراسة وحق تعلم اللغة الألمانية؟.

ويلخص مدير المركز العربي الألماني حديثه بأن “الاندماج هو مسألة أن يقبلك الآخر في مجتمعه، وأن يفتح لك الباب في مجتمعه، وأن يحترمك، ويحترم ثقافتك وعرقك، فعلى سبيل المثال السياسيون حينما أتى الفلسطينيون إلى ألمانيا وضعوهم جانبا وقالوا لهم: ليس لكم الحق بالتعلم، أو العمل، و ليس لكم الحق في شيء حتى يتم الفصل في مسألة بقائهم أو ترحيلهم.

“نادر خليل” دعا الجالية العربية والنشطاء في هذا البلد أن ينضموا مؤتمرات كثيرة لتفاصيل الاندماج، فالاندماج به تفاصيل كثيرة جدا، ويجب أن تناقش كل تفصيل في مسألة الاندماج، لكي لا نكون على الهامش هذا البلد.

أنماط الاندماج..

من جانبه شدد الدكتور “نزار محمود” رئيس المعهد الثقافي العربي في برلين على الحاجة إلى احتفاظ المهاجرين بخصوصياتهم الدينية والثقافية والوطنية، وهو ما أشار إليه بأنه الاندماج الإيجابي والذي يعني المحافظة على الهوية.

“محمود” حدد عدد من أنماط الاندماج:

الأول، هو نمط أو موديل إقصاء المهاجرين، وجعلهم يعيشون في حالة إقصاء كلي عن المجتمع، والنمط الثاني هو الفصل، بمعنى أن يعيش المهاجرون في المجتمع لكن بصورة منفصلة.

والنمط الثالث هو الاندماج، باعتباره الأهم موضحاً أن: “هذا المصطلح مأخوذ من الرياضيات، فأصله يعني التكامل، أي أن الوحدات ذات الخصائص المختلفة تتحد وتكون وحدة جديدة، ذات صفات جديدة، وفي إطار هذه الوحدة الجديدة تكون الوحدات غير متضاربة أو متقاطعة، مع احتفاظها ببعض الخصوصيات الإنسانية المشروعة”.

د. نزار محمود مدير المعهد الثقافي العربي 

والنمط الرابع بحسب الدكتور “نزار محمود” فهو موديل الاحتواء، وهو أن المهاجر يتم احتوائه من المجتمع ثقافيا وقيميا واجتماعيا.

أما النمط الأخير وهو مرفوض من الجميع هو ما يسمى بالتذويب أو الانصهار الكلي، الذي يجرد الإنسان من خصوصياته الوطنية، أو الثقافية، أو القيمية كافة.

اقرأ أيضا: وزراء الاندماج في الولايات الألمانية يطالبون بتسريع إجراءات الاعتراف بمؤهلات المهاجرين

وذكر مدير المعهد الثقافي “خليل”، أن “وجدنا أن الاندماج مرحلة الوسط بين الموديلات أو الأنماط التي تبعد المهاجرين، أو التي تعمل على تذويبهم وصهرهم، وفي ألمانيا هناك مواد كثيرة في القانون الألماني تحدد قوائم حقوق الإنسان، وهي مأخوذة من الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، لكن أول مادة في القانون الألماني تنص على أن “كرامة الإنسان لا يجوز المساس بها”، والكرامة هنا بمعنى الكرامة السياسية، والكرامة الثقافية، والكرامة الاجتماعية، وغيرها.

حاجة ألمانيا للمهاجرين..

بدوره، ” هشام الكربولي” رئيس المنظمة العراقية لحقوق الإنسان في ألمانيا، فرأى أن الاندماج يقترن بشرط الوعي الموزون والارتقاء سياسيا واجتماعيا في بلد تتنوع فيه الجوانب الثقافية والفكرية واللغوية، فالاندماج في بلد مثل ألمانيا مسأة يصعب تحقيقها قبل معرفة أسبابها، والظروف المحيطة بها، ومعرفة طرق تحليلها للوصول إلى القرار الصائب بشأنها.

كما اعتبر أنه لا بد من التوصل إلى أنسب الطرق لوضع مسألة الاندماج في إطارها الاجتماعي والقانوني، وحتى السياسي، لأن كل مجال له علاقة بالمجال الآخر، من حيث الوعي والممارسة لتقليل آثارها السلبية وتطوير نتائجها الايجابية.

وأشار رئيس المنظمة العراقية إلى أن عدم التوافق يعد السبب في صعوبة الاندماج بالبلدان المضيفة، حيثما تقيم الجاليات بدافع العمل، أو الدراسة، أو غيرها من الأسباب الكثيرة، فتفرض على الوافد نسقا حياتيا على عامة الناس بما فيهم غير الوطنيين أي المهاجرين والغرباء.

“الكربولي” كشف أن هناك الكثير من الدراسات والتقارير والبرامج الحكومية التي تسعى لزيادة عدد المهاجرين والوافدين، هذه المعلومات تبدي حاجة ألمانيا للمهاجرين، وحاجتها لتنظيم الهجرة، فقد أصبحت قوانين الهجرة والاندماج تلبي لهذا الغرض، لكن الدول المستقبلة تقبل من يستطيعون إعالة أنفسهم ومحاولة الاندماج في المجتمع، وفي سوق العمل بالشكل المطلوب”.

وشدد رئيس المنظمة العراقية على أهمية عنصر الوعي للحفاظ على الهوية والأخلاق والمبادئ، وكيف أن للثقافات الأخرى تأثير على ميول المقيمين ما يجعلهم يخشون من الاندماج، خاصة فيما يتعلق بمستقبل أبنائهم، معتبرا أن: “حق الاندماج هو بحث عن الاستقرار الاجتماعي، أو لإيجاد فرص عمل، أو فرص تعليمية، والتعايش، وفي تلك البيئة الجديدة بعاداتها، ونمط الحياة، وطريقة التفكير في عملية الاندماج الإيجابي بسهولة، وكي لا يصبح الفرد أو الأسرة الوافدة بين مطرقة ضرورة التكيف الاجتماعي، و بين سندان التخوف من تأثيرات تلك الثقافات، والنسق المعيشي المختلف، والمغاير تماما لما تعودت عليه تلك الأسر، وقد تكون هنالك ضريبة الشعور بضعف الوعي في المحافظة على أبناء تلك الأسرة، وهذا ما ينجم عنه مشاكل أخلاقية كالانحراف، والاختلاط والسهر طوال الليل، والعمل في الأسواق المحضورة وغير القانونية.

“هشام الكربولي” رئيس المنظمة العراقية لحقوق الإنسان

وللحفاظ على السلوكيات بما يخص جانب العلاقات الإنسانية في تعاملهم مع الاخرين، يقدم “الكربولي” وصفة مهمة : “على الأسر اتباع خطوات مفيدة منها التزام العمل بتوقيته، و كذلك استغلال الدراسة ببرامجها الفعلية، واستثمار وقت الفراغ في البحث لفهم محتوى الثقافات والحضارات المختلفة، كما يجب الحفاظ على الهوية الأخلاقية والإنسانية الفطرية والشخصية الملتزمة، والحفاظ على اللغة الأم مثلا للأطفال.

الاندماج السلبي..

وأوضح “كربولي” هنالك حلول اخرى لتفادي الاندماج السلبي وهي أبرزها: “إلحاق الأطفال بمدارس تعلم اللغة الأم، والتواجد في الأماكن التي تحث على العمل الجاد، وإيجاد فرص الاندماج الإيجابي، والتواصل معها، وبالتالي الحفاظ على الانتماء، ومراجعة التذكير بالمبادئ والقيم بواسطة ذلك التواصل الاجتماعي، وتقوية ذلك بعمليات النصح”، هكذا بين “هشام الكربولي” الحلول لتفادي ما يعتبره الاندماج السلبي.

يتابع “هشام”: “يجب تعويد الأطفال وتحضيرهم نفسيا، حتى لا يصطدموا بالتغيير في الاحتكاك المغاير، وكيفية التعامل معه بالشكل الصحيح، وضرورة بذل الآباء والامهات جهودا كبير لتوعية أبنائهم وتربيتهم التربية الصحيحة، والالتزام الروحي بتوازن الشخصية التي تضبطها ضوابط الحرية، حتى لا يقع الأطفال في فخ التغريب والتجريد من الهوية الحقيقية.

رئيس المنظمة العراقية لحقوق الإنسان في ألمانيا خلص إلى أن الاندماج الايجابي والحقيقي في أي بلد يكون بالحرص على احترام الخصوصيات بكل اتجاهاتها الثقافية، والدينية، والاجتماعية، والتعليمية، والسياسية، وبالتالي قطع الروابط التي تدفع إلى الاندماج السلبي الذي يهدف للتخلي عن القيم والمبادئ الأخلاقية في التعامل بإنسانية مطلقة، والتعايش السلمي كانسان لك مالك من الحقوق، وعليك ما عليك من الواجبات، بذلك تتم ممارسة عملية الاندماج الإيجابي مع مكتسب كامل الحق بذلك الاندماج، والعمل والحياة بحرية كاملة، يحفظ بها المهاجر كرامته الإنسانية والاجتماعية.

Exit mobile version